مركز الفنون

عبد الرحيم شريف وهشام شريف

النوع
معرض
التاريخ
9 - 23 فبراير 2022، 9:00 صباحًا - 8:00 مساءً
المكان
مركز الفنون
Google-Maps-icon

 في هذا المعرض الأول المشترك الذي يجمع بين رائد من رواد الحركة الفنية في البحرين مع ابنه، يحاول أيقونة الفن وأحد أعلامها البارزين، الفنان الشهير عبد الرحيم شريف وولده هشام، تسليط الضوء على جذور الرسم والتصوير والألوان للفن المعاصر في منطقة الخليج بعيون وعدسات معاصرة جديدة، محاولة منهما لسد الفجوة بين الأجيال في مختلف جوانب الساحة الفنية الديناميكية الواسعة.

 

وعلى الرغم من الفرق في العمر بينهما، يحاول كل من الفنانين عرض خلاصة التجربة الإبداعية الفردية ورحلة التميز من خلال اللوحات المعروضة. فالفنان عبد الرحيم شريف هو بدون شك أشهر من نار على علم ذاع صيته في مختلف البلدان حول العالم، ويعتبر قامة من قامات الفن المعاصر إقليميا، مثل البحرين في العديد من المعارض العالمية. ولا شك في أن الفنان عبد الرحيم شريف هو أحد أهم رواد الفن المعاصر في البحرين، وهو أحد مؤسّسي جمعية البحرين للفنون التشكيلية منذ عقود. وُلِد الفنان في مدينة المنامة سنة 1954، ثم درس عبد الرحيم شريف، الذي ظهرت موهبته الفنية في وقت مبكر، الفنون الجميلة في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، وأكمل دراسة الماجستير في الفنون الجميلة أيضا لاحقا في مدرسة بارسونز للفنون والتصميم بنيويورك قبل أن يعود للبحرين ويمتهن الفن. حصل الفنان مؤخرا على "وسام الآداب والفنون الفرنسي" برتبة فارس سنة 2022، وهو أحد أرقى الألقاب الرسمية تميزا.

 

يلامس الفنان عبد الرحيم شريف بريشته وكنفاس لوحاته وبأسلوبه الرمزي عوالم التجريد، ومواضيع الاغتراب واللامبالاة، وبنفس المهارة أيضا يجوب في عالم الألوان الصرفة. وفي آخر مجموعته الفنية، " نهر الذنوب " قام الفنان بجمع العالمين وخط بريشته هذه العوالم بنظرة علوية فوقية كي ينقل للمشاهد المتلقي توقعات عالم الألوان هذا وردة فعله من الأعلى نحو الأسفل. الأعمال الفنية الثمانية المعروضة في إطار هذا العمل، التي رسمها بين 2012-2021، هي تركيبات فنية ضخمة صُممت لتغوص بالمشاهد في أعماق هذا " النهر".  وفي الحقيقة لطالما أبدى الفنان عبد الرحيم شريف استعداده الدائم لمواجهة وطرح القضايا الفكرية والمسائل الصعبة والخوض فيها، مثل الاغتراب، والمحن والصعوبات والسياسة، والتي نجدها أيضا حاضرة في هذه الأعمال. ومن خلال تأمله واستلهام التجارب من نتائج أحداث " الربيع العربي"، يُسلط الفنان الضوء هذه المرة على مسألة الحرب والعنف، والفساد ومشاعر الكراهية التي سادت المنطقة، متسائلا عما إذا كان الحكام وأصحاب النفوذ هم بصدد تعجيل هذا العالم وتسريع الخطى نحو "يوم الحشر" أو يوم القيامة.  فالأنهار التي ترسمها ريشة الفنان هدفها تطهير المجتمع من الخطايا والذنوب التي تراكمت، وأن الله يُريد أن يمنح البشرية فرصة للعودة للنقاء والطهر والبدء من جديد. وتأمل الفنان وفكر مليا في بادئ الأمر قبل أن يضع ويرسم الأشخاص التي لا حصر لها ومكاناتها في اللوحة، ولكنها سرعان ما بدأت تجد طريقها تدريجيا، وتندمج في إطارها المكاني في سنفونية سباحة ورقص تدور حول بعضها البعض بتناغم وسلاسة ومرونة لتنتهي من هذا الباليه الراقص بمشهد علوي شبيه بجمال تصميم خيوط السجاد الإيراني المتقن بدقة وتنظيم لا متناهي. وعلق الفنان عبد الرحيم نفسه على هذا التأمل والتفكير في الشخوص الفنية خلال لقاء أجرى معه سنة 2020 قائلا: "كلما زاد الناس دوسا على السجاد، ارتفعت قيمته"، رابطا بذلك بين قيمة الفن ككل، ولكن قيمة البشر أيضا ومعاناة وقدرة التحمل والمرونة والصمود لدى أولئك الذين يعيشون في مجتمعات فاسدة. وعلى الرغم من أن الفنان عبد الرحيم شريف قد شق الطريق النجاح كفنان محترف، إلا مصادر إلهامه وأساليبه الفنية هي موجودة ومجسمة في عمله الفني هذا. فمرونة تدفق الحركة وسلاسة ريشته التي ترسم الأشخاص العارية في النهر هي عودة على لوحاته التي رسمها بقلم رصاص في سبعينات القرن الماضي، والتي فازت أحدها، (شخصية متحركة)، بجائزة الرسم للتجمع الفني لمدارس الفنون الجميلة الفرنسية سنة 1976. 

 

هذه النزعة والمنحى نحو التجربة الفنية الغامرة بالألوان، والحركية والتدفق في الرسم التعبيري، سواء كان تصويريا أو تجريديا، نجدها في أعمال ابنه أيضا. فهشام شريف الذي ولد سنة 1993، اختار أن يغير من مهنته الأصلية ودراسته في مجال المال والأعمال ليشق طريق الفن سنة 2017، عندما أقام أول معرض فردي في جمعية البحرين للفنون التشكيلية، والذي لاقى نجاحا باهرا وبرزت من خلالها ملامح المسار الفني لهشام شريف، حاصلا على شهادة تقدير خلال معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية سنة 2019، بدأ بعدها بقليل في برنامج إقامة فنية في مدينة نيويورك.  

 

بدأ هشام شريف مسيرته الفنية التي طغت عليها ريشة اللون الأبيض والأسود، معلقا على ذلك بالقول بأنه "لم تكن لألوان انعكاسا وانطباعا على مشاعره في تلك الفترة"، مما جعله يرسم أعمالا تشكيلية درامية في ذلك الوقت ومنها عمله الفني خاص بالنساء (2017) وبدء مجموعة خارج عن القانون، وهي أعمال منغمسة في السواد وتستكشف الوضع السياسي في المنطقة برمتها والحركة الديناميكية التي كانت تتسم علاقة بين الظالم والمظلوم المضطهد. وبعد أن كرس نفسه كليا للرسم، ابتعدت ريشة الفنان من الأسلوب التشكيلي التصويري نحو المشاهد والمناظر البحرية في مجموعته الفنية غضب (2018-2019) التي رسمها بشغف كبير وإحساس عميق، معطيا الفرصة بكل براعة وإبداع لخواطر ومخرجات فنية صامتة لدخول قائمة ألوانه اليومية. يحاول الفنان في هذه الأعمال الغوص في سحر قوة البحر الهائلة مصرحا في تعليق نصي مصاحب بالقول: " تلعب الأمواج دورها كرمز للعنف والتدمير، ولكنها أيضا كعامل خلق وانبعاث وولادة جديدة من خلال تواتر الأيام وعمق الأزمان، فنذهب نحن وننتفي وتبقى أمواج البحر تتلاطم للأبد". نظريته الفلسفية حول التدمير والانبعاث من جديد ضمن حركة البحر المتلاطم الجبار تتماهى مع فلسفة ومرجعية والده، عبد الرحيم شريف، في عمله الفني نهر الخطيئة، سابرا بذلك أغوار عملية تنظيف وتطهير الذنوب من خلال أنهاره الافتراضية المتخيلة.  

 

عاد الفنان هشام للأسلوب الفني التصويري من خلال مشاهد فوضوية ومزدحمة للمدن والمناسبات الاحتفالية، حملت أغلبها إشارات ملونة ضمن تركيبات أحادية اللون، كما عكسته لوحاته " الثالث من مايو 1808 (لمسة وفاء وتخليدا لذكرى غويا (2018)، " الصلب" (لمسة وفاء لرامبرانت) نسخة باء (2018)، الفنان ونماذجه (2019)، الضيف خيم على الأجواء"، (2018) وأعمال فنية أخرى. ولا شك في أن هذه الرسومات المتسارعة الخطى والمتنوعة، والتي تستلهم بعضها من أعمال فنانين عالميين شهيرة، تشترك جميعها في عامل القيمة التعبيرية التي عكسته لمسات وضربات الريشة الفوضوية الثقيلة والمكثفة التي وضعها الفنان بكل دقة وخبرة عالية لشد انتباه المشاهد من خلال الصور الملونة والشخوص التي تحوم بكل رشاقة وسلاسة وتتحرك في جميع المشاهد.

 

شعر الفنان هشام عبد الرحيم عند مغادرته مدينة نيويورك في مارس 2020، بتطور وتجدد نتيجة الخبرة التي اكتسبها نظرا لتأثره بأعمال فنانين خالطهم وانتابه إحساس بقوة الطاقة الجديدة التي هبت رياحها عليه وجعلته ينطلق نحو آفاق رحبة من جديد. وخلال فترة الإغلاق والحجر الصحي على إثر الجائحة العالمية، كان الفنان هشام شريف يمضي الساعات الطوال في البحرين في التجول والتأمل في مساحات الغابات والمزارع ويحاور الطبيعة وحيدا معظم الأوقات. وفاضت ريشة الفنان بعد هذه اللقاءات بالطبيعة بمجموعة من الأعمال الفنية تصور لنا ثلاثة عشر مشهدا ومنظرا طبيعيا، رسمها جميعا سنة 2021، سبعة منها موجودة في هذا المعرض. وتعمد الفنان، من خلال تحويل المشاهد البحرية السابقة التي رسمها إلى مشاهد طبيعية، إدخال ألوان قوية وبراقة فاقعة للوحة ألوانه، مُبشرا بولادة أسلوب وطريقة جديدة ذاتية جدا فيما يتعلق برسم المشاهد الطبيعية، مما يعتبر قطعا مع المفهوم السائد لهذا الأسلوب التقليدي في الرسم، خاصة في منطقة الخليج، حيث لم يعد التركيز الكامل الآن على الرسم واللوحة بل أصبح الفن المفاهيمي التصوري هو الذي يحظى بجدارة التجربة وحماسة الإنجاز. يظهر الفنان في صوره ومشاهده الطبيعية في مفترق طرق فكرية تأملية، يكتشف نفسه فجأة وكأنه فنان منغمس في بحار ومحيطات الألوان، ثم يُغير الوجهة والنظرة التصورية وكأنه جالس فوق الشجرة يشاهد عالم الطبيعة ينكشف ويتفتح أمامه. يقفز الفنان هنا وهناك بريشته التي مستلهما من عبق الذكريات والأحلام ليُكمل صورة المشاهد الطبيعية الحية والنابضة بالحياة التي يرسمها، يرنو ويطوق نحو مصادر الإلهام السماوية المقدسة في مجموعة " ألوان الإله" الفنية. وهكذا نجد أنفسنا، من خلال لمسات الألوان الحلوة الخضراء الخلاقة، وألوان الأزرق الغامق والأرجواني والوردي الزهري البراق واللون الأصفر كلها ضمن فلسفة وبصمة الفنان في ضربات ريشته المتقدة والملتهبة بال هوادة، أمام سحر المكان والجمال، يأخذنا لعالم فياض جديد وبحر غزير يسبح في أمواجه تارة، ويمشي وينغمس تماما في أعماق عالمه سواء ً كان ذلك في أحضان الكانفس أوفي الواقع.   

 

 وعلى الرغم من التباين والاختلاف الظاهري بين الفنانين -الأب وابنه- واتباع كل واحد منهما نهجا مغايرا تماما عن الآخر من ناحية الشكل والمضمون، إلا أنهما يشتركان في مفهومهما وانشغالهما بالقضايا التي تؤرق البشرية، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة الفساد، والحروب والعنف والرغبة المشتركة للمجتمعات والشعوب في البدء من جديد. وسواءً تعلق الأمر بمدى جمال الطبيعة الخلاب أو صور لفوضى مدينة مُلهمة، أو لوحة لنهر أو محيط تُطهر مياههما الذنوب وتمحو الخطايا، أو ألم الماضي وصعوباته والشك والريبة فيه من خلال تقلبات الأمواج العاتية، فإن ريشة الأب الفنان عبد الرحيم شريف وكذلك ابنه، هشام، تُظهر وتعكس لنا ذلك القلب النابض والأحاسيس التي تخالجهما خلف تموجات وطبقات اللوحة الفنية، واصرارهما ورغبتهما في فهم وتفهم قضايا الإنسانية وجعل الفن مصدر إلهامها.  

 

 ميساء كفيل حسين